مجتمع
أخر الأخبار

رحلة في الجحيم… لبنان يرحّب بكم

رحلة الذّل في لبنان تبدأ عند وصولك إلى المطار ولا تنتهي بالمغادرة.

أهلا بكم في الجحيم..

يعود المغترب اللّبناني إلى وطنه بشوق ويحافظُ على شوقه على طائرة العودة، ولكن قبل أن يخرج من أرض المطار، تبدأ رحلةٌ مرصّعة بالذّل.

ينتظر كثير من القادمين حقائبهم مدّة طويلة، ونادراً ما لا تصدح صرخة أحد المواطنين أو المواطنات الذين يكفرون ببلدهم ويشتمون دولتهم. أمرٌ محزِن أن تبدأ الرحلة على هذا النّحو.

ويخرج القادمُ إلى أرض الوطن المُغتصَب.

ومن مدخل المطار الخارجي تبدأ فوضى سيّارات الأجرة، فيصرخون واحدا تلو الآخر: “Taxi, Taxi”.

والتّسعيرة شكليّة. فيقول لك “إدفع ما تريد”.

وذلك يعني أنّك إذا كنت سائحًا قد تتعرّض للنّصب على باب المطار بتسعيرة مرتفعة.

وينطلق السّائق مزاحماً..

فيقود في فوضى السّيارات المجنونة، فلا ضوابط ولا قوانين تردع أحدًا ولا حتّى أخلاق تحدّ من تهوّرهم. وقد يقع خلاف على أفضلية مرور بين سائق التاكسي وآخر،  لتكون محظوظًا إذا انتهى ببعض الشّتائم فقط.

وعندما يُعاوِد الانطلاق يسقط في حفرة منسيّة قد تُسبّب بعطل في السّيارة فيقف جانباً لتبديل دولاب، فإما تنتظر أو تبدّل إلى سيّارة أجرة أخرى.

وعندما تصل إلى منزلك، قد لا يجد سائقة التاكسي مكانًا يركن فيه لإنزالك مما يضطره إلى التّوقف وسط الشّارع ما يسبّب زحمة سير خانقة، وقد يكون هناك مكان متاح للوقوف لكنه يفضّل عدم الالتزام.

فلا حسيب ولا رقيب ولا سائق أديب في هذا البلد العجيب.

وعندما تصلُ فإيّاك ثمّ إيّاك أن تغفل عن النظر إلى ساعتك. فإذا كنت في المصعد في توقيت انقطاع الكهرباء، قد تقضي وقتاً مُذلّا مع حقيبتك في ظلام حالك. ظلامٌ سيلازمك طيلة الوقت. فحتّى نعمة النّسيان تزول أمام الكهرباء في لبنان لأنك حتّى لو حاولت نسيان ظلمتها فستنبّهك كلّ ست ساعات، في أعظم حالاتها، أنك في الجحيم.

والكهرباء هذه عِقابٌ في الشّتاء وفي الصيّف.

ففي الشّتاء ستحرمك من حرارة تُدفئ القلوب وفي الصّيف من نسمة في ليلِ همٍّ. في الجحيم الذّي نتصوّره، أقلّها، نارٌ ملتهبة، أمّا جحيم لبنان قد يكون بارداً.

وأمّ الأزمات هي فواتير الكهرباء. فبالإضافة إلى فاتورتها، تُضاف فاتورة المولّد. وبينما يدفع مواطنٌ فاتورتين، مواطن آخر يسرق الكهرباء فلا يدفع بفعل غياب الدّولة وعدم قدرتها على الجباية.

تزداد المصيبة إذا قرّرت الاستحمام. فقد لا تكون المياه ساخنة في الشّتاء، وقد لا يكون هناك ماءٌ أصلا في الصّيف. وبينما في الدّول المتقدّمة يمكن للمواطن شرب المياه المنزليّة التي يستحمّ ويغسل بها، نتندّر نحن على قطرة نزيل بها أوساخ استقرّت على أجسادنا في هذا الجحيم.

وحتى عندما تغادر لبنان، يلاحقك الذّل. كيف؟

عندما تأتي ساعة قطع الكهرباء، كالساعة السّادسة مثلاً، ولا تنقطع، فتستنتج أن الأثر النّفسي لهذا الجحيم يلاحقك حتّى لو غادرته..

لبنان يرحّب بكم..

 

هادي وهاب

هادي وهاب

باحث في سياسة الشرق الأوسط. حائز على دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة إكسيتر البريطانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى